Reverse migration – efforts by Syrian refugees in Europe to return home – is a growing movement. But those who want to go face legal, practical and financial blocks, and many who make it back face torture and conscription. In a major investigation The Irish Times travels to Germany, Sudan and Syria to meet those looking for a way back. This is the Arabic version of the article, go here to read the English version.
الجزء الأول: الندم
كانت السفارة السورية في برلين مكتظّة، شباب في الخارج يدخنون ويتحادثون. "محترمين والخدمة جيدة، ليست كما كانت في الماضي،" مدحهم أحد المراجعين. فجاوبه أحد الرجال بغضب "ما زالوا بنفس القرف، لم يتغيروا."
كان يوماً خريفيناً مشمساً. وكان عشرات من الأشخاص يتدفقون إلى غرفة الإدارة الرئيسية، ليجلسوا أمام صورة معلقة على الحائط للرئيس السوري بشار الأسد. كان الرجال يتدافعون ويتمازحون، وكانت الأمهات يمسكن بأيادي اطفالهم الصغار، بينما كان رجل هرم يخطو بخطوات بطئية إلى داخل القاعة.
ومن خلف مكتبه، كان موظف السفارة يأكل المكسرات ويعطي تعليماته. "هل يبدأ العد من وقت حصولي على الإقامة؟" سأل أحد الواصلين حديثاً. صرخ الموظف "من وقت مغادرتك لسوريا." فجاوبه المراجع بجرأة "غادرت سوريا تهريب." "تحتاج إلى تسوية وضع. اضغعط الرقم 3، احضر صورة عن جواز سفرك، وانتظر دورك."
زاد عدد اللاجئين الهاربين من سوريا إلى أوروبا في العام 2015 زيادة ضخمة. نصف مليون من الرجال والنساء والأطفال الذين وصلوا إلى القارة الأوروبية كانوا هاربين من العديد من المخاطر: بما فيها قذائف الهاون والبراميل المتفجرة، واستهداف القناصين العشوائي للمدنيين، والخدمة العسكرية الإجبارية في ظل حكومة ليس لهم ثقة فيها. غطّى الإعلام عن قرب كل مرحلة من مراحل الرحلة الخطيرة، من رحلة القوارب إلى اليونان، إلى الاشتباكات على الحدود المقدونية، إلى الإنتظار الطويل للقطارات في بودابيست. وكان هنالك الكثير من النقاش، إلى جانب صور البؤس، حول مستقبل اللاجئين الحديثي الوصول. كيف سيندمجون في المجتمع؟ ما نوع الدعم الذي سيحصلون عليه؟ وهل سيغير تدفق الناس الكبير الحضارة الأوروبية؟
وبعد عامين، بدأت ظاهرة أصغر ولكن ذات أهمية بالظهور: الهجرة العكسية. خلال دراسية استقصائية عبر ثلاث قارات ولمدة أربعة أشهر، قابلنا عشرات اللاجئين السوريين واللاجئين السابقين في ألمانيا والمملكة المتحدة وإيرلندا وتركيا والسودان وسوريا ممن كانوا يفكرون بالعودة إلى وطنهم، أو من حاولوا القيام بالرحلة، أو من عادوا إلى بلدٍ ما يزال في حالة حرب. حللنا، بالإضافة إلى ذلك، مئات من المنشورات في مجموعات الفسيبوك للسوريين في أوروبا الذين يناقشون موضوع العودة. وبالرغم من تركيزنا على اللاجئين المغادرين لألمانيا، تظهر أبحاثنا أن السوريون يغادرون دولاً أوروبية أخرى أيضاً، من ضمنها السويد والدنمارك والنمسا.
وكما هو حال جميع الهجرات، فإن أسباب العودة شخصية جداً ولكنها تشكل نمطاً ايضاً. سنشرح في سلسلة من ثلاثة أجزاء أسباب مغادرة اللاجئين السوريين، والطرق التي يسلكونها، وماذا يحدث لهم عند رجوعهم لبلدهم.
الاشتياق للأهل.
كان مصطفى، ذا العينين الداكنتين، سيبلغ الثامنة عشر بعد يومين فقط من لقائنا به، وسيصبح بالغاً ويفقد فرصة انقاذ عائلته. عاش مصطفى في شتوتغارت لعامين، لكن الشاب السوري المتقن للغة الألمانية لم يحصل على اللجوء بعد، ما جعله يظن أن التأخير متعمّد لمنعه من تقديم طلب لإحضار عائلته إلى ألمانيا.
"خسرت نصف طفولتي في الحرب في سوريا، وخسرت النصف الآخر بالحياة بعيداً عن أهلي،" خبرنا مصطفى بحزنٍ عند لقائنا به في سبتمبر.
يحثَّ والد مصطفى ابنه كل اسبوع على التحمل، ويقول له عبر الواتسآب "لا تضيع مستقبلك." لكن المسافة لبعض من اصدقاء مصطفى، بكونهم صغيري العمر وبعيدين حوالي 3000 كيلومتر عن اهلهم، لا تطاق احياناً.
"أعرف العديد من الناس الذين رجعوا."
الهجرة العكسية ليست بمفهوم جديد. هنالك في ألمانيا أكثر من 1000 rückkehrberatung أو مراكز استشارات للعودة – وهي مراكز تقدم النصح للاجئين الذين يفكرون بالعودة.
تُدار معظم مراكز استشارات العودة بشكل مستقل، ولكن بعضها مرتبط بالحكومة الألمانية. من المفترض أن تعمل هذا المراكز بشكل مستقل عن إجراءات اللجوء، ولكن يختلط الأمر أحياناً على طالبي اللجوء، مما يعرض طلبات لجوئهم للخطر. تكلمنا مع طالب اللجوء عُبادة الذي تم تجميد طلب لجوءه بعد أن قال في مقابلة اللجوء أنه يريد العودة إلى بلده. لا يمكن لعُبادة مغادرة البلد دون وثائق، ومع ذلك لا يسمح له بالعمل او باحضار زوجته وطفلته المولودة حديثاً.
كلٌ من قصة مصطفى وقصة عُبادة توضحان توجهاً شائعاً. عندما كان القتال في سوريا على أشدّه، قامت العائلات السورية التي لا تملك الكثير من المال بإرسال أحد أفراد العائلة قبلهم: عادة ما يكون الزوج أو الابن. وعند وصولهم إلى أوروبا، يستطيعون تقديم طلب لم شمل للزوجة، أو الوالدين، أو الأطفال، أو الأشقاء، وبذلك يساعدون العائلة على الهرب.
تغيرت هذه السياسة في ألمانيا في مطلع العالم الماضي. كان يُمنح السوريين قبل ذلك اللجوء، لكنهم غالباً ما يحصلون الآن على الإقامة المؤقتة، مما يعني انه أصبح عليهم الانتظار لسنتين قبل التقديم على لم الشمل.
كما تغيّر القانون الذي يحدد من من أفراد العائلة يحق له المجيء إلى أوروبا. لا يحقّ للذين أعمارهم تحت الـ18 الآن إلّا أن يحضروا والديهم، الأمر الذي يعني ترك الأخوة في منطقة حرب. عاد قاصرٌ واحد على الأقل من شتوتغارت إلى سوريا، كما أخبرتنا باتريشيا سولتل، منظمة في مجموعة الترحيب باللاجئين في شتوتغارت. عاد إلى سوريا بسبب هذا التغير في السياسة. "إشتاق لعائلته كثيراً،" أضافت باتريشيا.
قد يعاني السوريون صغيري العمر من دون أهلهم. مصطفى لا يشرب الكحول، لكنّا سمعنا عن فتى آخر عمره 15 عاماً أخبره والده أن يعود إلى حماة، بعد أن أصبح يعاني من مشكلة مع مخدرات.
أما بالسنة للسوريين الأكبر عمراً في ألمانيا، فالمشكلة في بعض الأحيان ثقافية. ردد عبادة قلق شائع بين السوريين: هو قلقٌ من التأثير الذي ستتركه الثقافة الألمانية على أطفاله، ويظن إنه إن أدّى ذلك إلى مشكلة في البيت فإن السلطات الألمانية قد تأخذ الأطفال منه وتضعهم في دور الرعاية الحكومية.
وبالنسبة للأشخاص الذين كانوا أغنياء في سوريا، من الصعب عليهم تقبل خسارة المكانة الجتماعية. قابلنا في هانوفر مليونيراً سابقاً كان يملك ستة عقارات. "المحل فقط... كان يكفي لعائلتي لتعيش عيشة كملوك،" قال لنا بحزن. آخر مرة رأى فيها مصنعه ومحلّه في جوبر في ريف دمشق المحاصر كانت في فيديو على الفيس بوك لشارع مدمر.
يعيش أولاده البالغون الثلاثة في ألمانيا، لكنه يحلم بإعادة تأسيس عمله في سوريا. "لا أريد أن أكون عبئاً على الحكومة الألمانية،" أخبرنا. "إذا ذهب نظام (الأسد)، أنا متأكد 100% أن الكل سيرجع."
قال الكثير من السوريون أنهم يكرهون التمييز والحكم عليهم من قبل الأوروبيين. "تغيير رأي الناس باللاجئين للأسوأ." أخبرنا خريج الاقتصاد من جامعة دمشق ذو الـ26 عاماً، الذي يعمل الآن كحارس أمن. حاول ركوب طائرة إلى لبنان العام الماضي، لكنه تم توقيفه في مطار فرانكفورت لأنه لم لكن لديه فيزا. "القصص التي نسمعها عن داعش، والتفجيرات بفرنسا، لهذا السبب أشعر أني تحت الشبهات."
غادر عم الشاب بالفعل، وهو يعمل في محله للكهربائيات منذ منتصف العام 2016. "كان يشعر أنه يفقد شيئاً في ألمانيا. لم يكن نفسه. شعر أنه لن يكون قادراً على انشاء صداقات مثل صداقاته السابقة، وانه لن يستطيع ايجاد عمل. كان ضائعاً كلياً."
ومن بين كبار السن والمرضى، يتخلى بعضهم عن أوروبا ويعودون إلى بلادهم لأسباب أشد حزناً.
نشرت إمرأة في دورتموند في مجموعة على الفيس بوك سؤالاً تطلب فيه المساعدة. "أحتاج الذهاب إلى تركيا لأمر ضروري. كيف الوضع؟ وما هو الطريق؟ أمي مريضة. أحتاج لرؤيتها."
ودع لاجئ سوري في ألمانيا مؤخراً أمه المريضة وداعاً أخيراً، وخسر بذلك فرصته بالحصول على تأشيرة سفر لهولندا. "عادت لكي تموت في سوريا،" شرح لنا. فهي تعيش على الحدود السورية في إدلب تحت قصف النظام والحروب الداخلية بين بعض الجماعات الجهادية المسيطرة على المنطقة، ولكن لا يهمها الأمر. فبمجرد عبورها للحدود التركية، لن يسمح لها بالخروج مرة أٌخرى.
مشكلة جواز السفر
وفي حين يسلم بعض اللاجئين السوريين جوازات سفرهم للحكومة الألمانية، يُسمح لأخرين بالاحتفاظ بجوازاتهم. إحدى المعضلات التي ذكرها لنا اللاجئين الذين قابلناهم كانت حول تجديد جوازات سفرهم السورية أم لا – الأمر الذي قد يكلف حتى 760 يورو.
السوريون الذين يذهبون إلى السفارة لتجديد جوازات سفرهم يضعوا انفسهم، دون علمهم في أغلب الأحيان، في متاهة قانونية.
أقّرَ كلٌ من سابين ليهمان، المسؤولة الإعلامية لمنظمة الهجرة الدولية (IOM) في برلين، ومحامي مختص باللجوء في ألمانيا أنه عندما يحين وقت تجديد إقامات اللجوء، فإن ذهابهم للسفارة قد يكون سبب في رفض طلبهم. وقال لنا المتحدث باسم الكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين في رسالة إلكترونية إن دراسة الحالات تتم بشكل فردي ولكنه أكد أنه في القانون، السوريون الذين يقومون بتجديد وثائقهم يجب أن يخسروا وضعهم القانوني كلاجئين إذا قاموا بتجديد جوازاتهم أو أي شيء آخر ليضعوا أنفسهم "تحت حماية الدولة التي يحملون جنسيتها." ولكن بعض اللاجئين قالوا لنا أن السلطات الألمانية قد طلبت منهم الذهاب للسفارة: على سبيل المثال لتسجيل مولود جديد.
إن هذه المخالفات قد تصبح في غاية الأهمية إذا حصل تغيير في السياسات فيما يتعلق بكون سوريا بلد آمن. وكان الحزب اليميني المتطرف 'ألتيرناتيف فور دوتشلاند - البديل من أجل ألمانيا' قد طالب في البرلمان منذ شهر أيلول/ سبتمبر للمرة الأولى بإعادة السوريين في ألمانيا إلى بلادهم قائلاً أن الحرب تقترب من نهايتها.
ولقد عبر الكثير من السويين الذين تكلمنا معهم عن قلقهم من تغير السياسات. ويقولون إنهم لا يملكون الكثير من الأسباب للوثوق بأية ويشعرون بالأمان أكثر بإبقاء جميع الخيارات مفتوحة. وقال أحد الرجال: "الآن يعاملوننا بشكل جيد، ولكن لا نعرف ماذا سيحدث في المستقبل."
وقال المحامي وليد الشحرور "إنها التوقعات مقابل الواقع." يعمل الشحرور مع مركز الرعاية والاستشارة للاجئين والمهاجرين الصغار في برلين (بي بي زيد) وقد تحول عمله من طلبات لجوء فقط إلى تقديم نصائح أحياناً للأشخاص الذين يريدون المغادرة. وقد ذكر أنه في عام 2015، وصل اللاجئون إلى نظام ألماني مثقل، وهذا يعني ظروف حياة في مخيمات وتأخير كبير في دراسة الطلبات – وهذا مختلف جداً عما كانوا يتوقعون.
"بعض السوريين الذين يأتوننا يقولون إنهم في حياتهم كلها قد وصلتهم ثلاث رسائل بالبريد. وخلال أربع شهور (هنا) وصلتهم 450 رسالة، معظمها من مركز العمل. لهجة الرسائل تهديدية. ومع كل هذا يبدأ الناس بالشعور بالخوف ولا يعرفون كيف يتصرفون في هذه الحالة."
لقد قابلناه في مكتب في الطابق الثاني في مركز الرعاية والاستشارة للاجئين والمهاجرين الصغار في برلين. "سوف تندم إذا رجعت" هكذا كان يحزر لاجئ في ممر مكتبه عندما وصلنا.
السنة الماضية، الشحرور كان يعمل مع قضية تعتبر سابقة قانونية: وهي أول قضية قدمت من قبل لاجئين سوريين يريدون استرجاع مستنداتهم من الحكومة لكي يستطيعوا مغادرة ألمانية. عائلة من ثلاثة إخوة تمكنوا من النجاح في النهاية.
وكان طلب أحدهم، وهو صانع الحلويات محمد معروف، للحصول على إقامة دائمة قد رفض، وهذا يعني أنه لن يستطيع تقديم طلب لعائلته لتلتحق به أو أن يستخدم وثائقه الألمانية للسفر إليهم. وقد حاول السفر إلى السودان ثلاث مرات – واحدة من الدول القليلة التي يستطيع السوريون دخولها دون فيزا – ولكن في كل مرة كان يتم توقيفه في المطار. وعندما جاء قرار المحكمة بإرجاع أوراقه له، انتقل معروف إلى الخرطوم مباشرة، وبدأ العمل هناك.
وبعد أشهر، كان لديه المال الكافي ليدفع مبلغ 1250$ لمهرب لنقل زوجته وبناته الصغار الأربعة خارج الغوطة المحاصرة عن طريق نفق تحت الأرض.
وقال معروف بسعادة عندما قابلناه في السودان في شهر تموز/ يوليو وبعد عشرة أيام فقط من اجتماعه مع أطفاله "إنه شعور الفرج أننا مع بعض مجدداً.
عندما كنت في ألمانيا، كنت دائماً قلق على سلامة عائلتي، ولكن الآن أنا أعرف أنهم بخير."
الجزء الثاني: العودة
لقد كان سينجار في مهمة لإنقاذ أولاده. عندما اشتد القتال، اتصلوا به من دير الزور في سوريا، وقالوا إنهم تحت الحصار وإن داعش قريبة منهم وإنهم لا يستطيعون أن يتركوا منزلهم، وإنهم جائعون.
لم يكن لدى أحد من الشباب الصغار الأربعة أو أمهم جواز سفر. وحتى إن كان لديهم، لا يوجد أي طريقة لكي يصلوا إلى سفارة ألمانية وهي خطوة مهمة لإكمال إجراءات لمّ شمل العائلة لكي يتمكن من خلالها إحضارهم إلى أوربا. وقال لنا إنه لا يمكنهم حتى الانتقال من شارع إلى آخر. هناك ألغام على الطريق في الخارج.
وبالإضافة، هناك أيضاً مخاطر داخل المنزل. عندما ضرب صاروخان منزلهم، جرِح وجه ابن سينجار وكسِر سنه.
سينجار البالغ من العمر 49 ولديه شعر شائب ويرتدي جاكيت جلدي، جاء إلى ألمانيا عام 2015. هو أصلاً سافر بمفرده لأن عائلته كان بإمكانها فقط أن تدفع مصاريف سفر شخص واحد.
ويقول الآن "لقد كنت أهرب من موقف إلى آخر." ولقد واجه مشاكل مباشرةً عند وصوله، ومنها صدمته بصعوبة اللغة الألمانية. ولكنه حصل على أوراق اللجوء وفي بداية 2017 تم إعطاؤه منحة من قبل السلطات الألمانية لشراء أثاث البيت. ولكن المال جعله يقرر. لماذا يشتري الأثاث في الوقت الذي يمكنه أن ينقذ أطفاله؟
ويقول الآن "لقد كنت أهرب من موقف إلى آخر." ولقد واجه مشاكل مباشرةً عند وصوله، ومنها صدمته بصعوبة اللغة الألمانية. ولكنه حصل على أوراق اللجوء وفي بداية 2017 تم إعطاؤه منحة من قبل السلطات الألمانية لشراء أثاث البيت. ولكن المال جعله يقرر. لماذا يشتري الأثاث في الوقت الذي يمكنه أن ينقذ أطفاله؟
التقينا في شارع في برلين يعرف باسم "شارع العرب" وفيه محلات الشيشة ومطاعم الشرق الأوسط. وبينما كنا نتكلم، استعمل السيد سيجار ولاعته وهاتفه وعلبة السكر ليرسم أمامه على الطاولة الطريق الذي أخذه إلى سوريا.
ذهب أولاً إلى بودابيست بالقطار، ومن ثم طار إلى أثينا. ومن هناك ذهب إلى سالونيك حيث أخذ الباص إلى الحدود التركية، ومن ثم مشى حتى وصل إلى مكان غير مراقب. وثم سافر عبر تركيا. ولأن الحكومة الألمانية كانت تحجز جوازه، استعمل مهرب وجواز سوري مزور ليعبر الحدود التركية إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية والتي تمكنوا وصولها بعد انتظار طويل ودفع رشوة لحراس الحدود. وكان مجموع تكلفة السفر من ألمانيا إلى إدلب التي دفعها سيجار 2500 يورو، وجعلته مديوناً. وعندما وصل إلى داخل سوريا، قال له المعارضون في الجيش السوري الحر أن يرجع. "لا تذهب إلى دير الزور لأنها تحت سيطرة داعش. إذا عرفوا أنك جئت من أوربا، سيقطعوا رأسك."
وفي النهاية، عاد سينجار إلى ألمانيا. وهو الآن مديون وليس عنده بيت. ويعيش من كرم السوريين المقيميين في برلين والذين يدعونه ينام في مطاعمهم ويعطونه بتردد الطعام والسجائر. ويقول سينجار "الكثير من الناس يريدون أن يرجعوا ولكن يحتاجون إلى منطقة آمنة ليعيشوا فيها. أنا ذهبت هناك وحاولت ولكنه كان مستحيل. أنا أتحداكم."
سالونيك
ومنذ عامين كانت مدينة سالونيك الساحلية مركزاً للاجئين والمهاجرين الواصلين إلى أوربا للمرة الأولى، وموقع للاحتفال ومكان لتنسيق رحلتك القادمة. الوصول إليها يعني أنك عبرت الحدود بنجاح وتجنبت الشرطة المحلية التي تقوم بالإرجاع غير القانوني، وتحتجز وتسفّر اللاجئين إلى تركيا.
والآن أصبحت سالونيك مركزاً للاجئين العائدين إلى الشرق الأوسط.
وفي مجموعة على الفيس بوك تضم عشرات الآلاف من الأعضاء. ينشر السوريون عن سالونيك بشكل مستمر. وفي منشور حديث كتب أحدهم: "مرحباً شباب، أنا نازل من كولون إلى سالونيك الشهر القادم. إذا كان يريد أحدكم أن ينضم إلى ونروح سوا." وسألت عائلة مؤلفة من ستة أشخاص إذا كان أحد ما يريد أن ينضم إليهم. السفر في مجموعات يقلل تكلفة الفرد عند المهربين. وبعض المجموعات يمكن أن تضم 30 أو 40 شخصاً.
المغادرون من ألمانيا يطيرون إلى سالونيك باستخدام وثائق سفرهم الألمانية. ومن هناك، يستقلون باصأً إلى نقاط حدودية عديدة يقترحها المهربون على طول الحدود التركية، وإما أن يجدو جسراً ليعبروا فوق نهر ماريتسا، أو يتواصلوا مع مهرب متمركز هناك بشكل دائم ويمكنه أن يأخذهم عبر النهر في قارب مقابل 100 او 200 يورو. وقال لنا أحد المهربين: "لا تقلق يا أخي، إن أشخاصي ينامون عند تلك النقطة."
وكما هو الحال في الطريق إلى أوربا، فإن المهاجرين عكساً يثقوا بالمهربين بخصوص سلامتهم والذين عادةً ما يضللونهم فيما يتعلق بالوضع الحقيقي ويجعلونه يبدو أسهل مما هو عليه. وحذر رجل سافر من ألمانيا إلى تركيا ليقابل زوجته "إن المهربين يهتمون فقط بالحصول على المال. لقد ذهبت منذ عشر أيام و(الشرطة اليونانية) قبضت علي. لقد ضربوني ورموا كل أشيائي في النهر." قال لنا إن شرطة الحدود أوجعته كثيراً فهم كسروا اثنين من أسنانه وطرحوه أرضاً فاقداً الوعي.
وعندما يصلون إلى تركيا، فإن السوريين الواثقين من قرارهم قد يقوموا ببيع وثائقهم الألمانية لسوريين آخرين بسعر قد يصل إلى 3000 دولار. ويمكن للمشتري أن يطير إلى ألمانيا باستخدام الوثائق، قبل أن يقدم طلب لجوء لنفسه عندما يصل إلى هناك بأمان.
وفي منشور حديث كتب أحدهم: "أنا ذاهب من ألمانيا إلى تركيا، إذا وجدتم شخص يشبهني، يمكنه أن يأخذ جواز سفري ويرجع إلى ألمانيا"
وبالنسبة للكثير من السوريين، فإن بيع وثائقهم الأوربية يسمح لهم بتغطية مصاريف رحلة العودة. ويعتقد البعض أنه بسبب عدم وجود المساعدة ووسائل العودة القانونية فإن السوريين ليس لديهم خيار إلا أن يرجعوا بطريقة غير شرعية – مثل ما جاؤوا – ويتبعوا نفس الطرقات التي عبروها منذ سنتين أو ثلاثة ولكن بالاتجاه المعاكس.
هناك طريق قانوني ومجاني للاجئين ليعودا إلى بلادهم. عندما يطلب اللاجئين من دول أخرى المغادرة، فإن المنظمة الدولية للهجرة تدفع تكاليف رحلتهم. كما أن لديهم خط هاتفي سريع لطالبي العودة وهذه السنة انشؤوا موقع إلكتروني خاص بالتعاون مع الحكومة الألمانية (https://www.returningfromgermany.de)
ولكن سوريا هي واحدة من ثلاث دول فقط تعتبر خطيرة جداً، وفي الوقت الحالي الرجوع إليها مُوقف. (البلدان الآخران هما ليبيا واليمن).
وقالت سابينا ليهمان، وهي موظفة إعلام في المنظمة الدوليّة للهجرة في برلين، إنهم يقومون "بتقييم دائم" للوضع في سوريا. "يجب أن يكون طريق السفر إلى هناك آمن، والوضع هناك يحب أن يكون آمن."
ولكنها قالت أيضاً إنها تعلم أن الكثير من السوريين يفكرون بالعودة وعبرت أنه "يمكنك أن تلاحظها في كل مكان. وانا أيضاً لاحظتها. تحتاج إلى طرق قانونية للهجرة في كلا الاتجاهين."
كما حزرت أن على اللاجئين أن يكونوا على علم بتبعات قرارهم. وشرحت ليهمان أنه "عندما تغادر ألمانيا، فقانونياً أنت تسحب طلب اللجوء. فإذا رجعت، أنا أتخلى عن حقي بطلب اللجوء (ولكن يمكنني أن أبدأ طلب جديد)."
وقال المتحدث باسم المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين الألماني إنه ليس لديهم طريقة لتسجيل إحصاءات عدد اللاجئين الذين يعودون لبلادهم "بشكل مستقل". وقال المتحدث إن برنامجهم المنظم لإرجاع اللاجئين (ريج / جارب) (http://www.bamf.de/EN/Infothek/Statistiken/FreiwilligeRueckkehr/freiwillige-rueckkehr-node.html)
لا يرسل الأشخاص إلى سوريا. ولكن على الأقل 35 سورياً عادوا إلى دول مجاورة من خلاله. ويشير بحثنا إلى أن عدد الأشخاص الذين غادروا إلى الدول المجاورة وإلى سوريا هو أضعاف هذا العدد.
طريق السودان وإيران
وبالنسبة للاجئين الذين لا يعودون عن طريق اليونان، فإن السودان هو محطة انتقال شائعة على الطريق إلى سوريا، لأنه واحد من الأماكن القليلة التي لا يحتاج السوريون تأشيرة سفر لدخولها. من ألمانيا يستطيع السوريون الذين مازالت لديهم جوازات سفرهم أن يطيروا إلى الخرطوم، ومن الخرطوم مباشرةً إلى دمشق. وخلال فترة الانتظار في السودان، يقوم البعض ببيع وثائقهم الألمانية. وكتب أحدهم في منشور على الإنترنت "لقد حصلت على وثيقة سفر ألمانية في السودان وأريد الذهاب إلى أوربا. كيف هو الطريق؟"
وقال لنا بعض السوريون أيضاً إن السفارة السورية في ألمانيا تسهل رحلات العودة عن طريق إيران. ونصح منشور أنه "إذا كان لديك جواز سفر سوري، يمكنك أن تذهب إلى السفارة السورية في برلين وتقول إنك تريد العودة إلى سوريا. سوف يساعدوك على الطيران إلى طهران وهناك ستنتظر لمدة ساعة طائرتك إلى دمشق." وقال لاجئ آخر أن عمه قد عاد إلى بلده بهذه الطريقة. موظفي السفارة ألغوا مقابلة كانت مقررة مسبقاً ولم يردوا على مراسلتنا ليعلقوا على الموضوع.
ورغم التأثيرات الكبيرة لهذه الرحلات والتي قد تغير حياة الأشخاص، فإن الأسئلة في المجموعات على الإنترنت بخصوص العودة تكون عادةً عن الجوانب العملية. وقالت إحدى الناشرات في شهر سبتمبر/أيلول إن صديقتها رجعت إلى سوريا بعد عامين في ألمانيا، ولكنها مازالت مضطرة أن تدفع عقد هاتفها الألماني. وعلق أحدهم: : أنا مصدوم أن الناس الذين يغادوا ألمانيا مازالوا مضطرين أن يدفعوا عقد هواتفهم. نحن السوريون لا نخلف ديون وراءنا."
–الجزء الثالث: اجتماع العائلة
ظن سامي أنه قد نجح في محاولته. وكان الشاب في الثلاثينات من عمره يعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات كلاجئ مسجل عندما مرضت أمه مرضاً شديداً. كانت كبيرة في العمر وضعيفة وتحتاج إلى عملية جراحية لإنقاذ حياتها. وبما أنه أصغر أبنائها -والوحيد غير المتزوج – فقد قرر إخوته أن من واجبه أن يساعدها.
سافر سامي بالطائرة إلى عاصمة السودان الخرطوم، ومنها إلى عاصمة سوريا دمشق مستخدماً جواز سفره السوري كي لا تعرف ألمانيا أنه خرق شروط لجوئه. كان يخطط أن يبقى هناك أقل من عشرين يوماً – وستكون هذه أول فترة يقضيها في دمشق منذ اندلاع الحرب. ولقد حاول أخذ احتياطاته. من خارج البلد، يستطيع السوريون أن يدفعوا المال لشخص ما ليعرفوا ما إذا كان اسمهم على "القائمة" بمعنى أن موظفي الحكومة يبحثون عنهم. لم يضطر سامي أن يدفع المال، لأن أحد أصدقائه استقصى بخصوصه. وعندما تأكد أنه غير مطلوب، ظن أنه بأمان.
ولكنه واجه المشكلة في مكتب الهجرة في مطار دمشق. قالوا لسامي: "يجب أن تنتظر هنا لخمسة دقائق" قبل أن يضعوه في غرفة خلفية ومن ثم في سيارة. ومضى أكثر من شهر قبل عرفت أمه أنه مازال على قيد الحياة. قال سامي "لمدة شهر لم تعرف عائلتي أي شيء عني. وحتى بعدما ذهبوا وسألوا في مركز الشرطة. كانوا يعرفون أني سافرت بالطائرة من السودان إلى سوريا وبعد ذلك (ولمدة) شهر لم يعرف أحد أي شيء."
وبعدها بأسابيع كان سامي، والذي غيرنا اسمه هنا لسلامته، محتجز في زنزانة مع عشرات الأشخاص الآخرين، ومن بينهم كثيرون اعتقلوا عند عودتهم من أوربا. وقدّر حجم الزنزانة ب 3×4 أمتار ولم يكن هناك متسع للتنفس فيها. "بالتأكيد قدموا لنا الطعام ولكنه قليل جداً، يكفي فقط لإبقائنا على قيد الحياة." وكل ساعتين خلال الليل، كان نصف المعتقلين في الزنزانة يقفوا ليتيحوا المجال للآخرين ليتمددوا ويحاولوا النوم قليلاً. كان الألم والتعب صعب الاحتمال.
وكان سامي يُخرج من الزنزانة فقط إلى جلسات التعذيب وعندها يضربه المسؤولون ويطالبوه بإعطائهم معلومات عن قادة المعارضة المختلفون الذين يظنون أنهم في أوربا، وهم أشخاص هو لا يعرفهم.
"نقاتل طوال النهار"
"هذا أمر عادي في سوريا. لا أحد يذهب إلى الشرطة دون (تعذيب). هم لا يبالون إذا مات أحد الأشخاص ... وأيضاً لا تستطيع القيام بأي شيء لأنه لا أحد يعرف أي أنت. إذا جاء أحدٌ ما من الخارج إلى الشرطة وسأل عنك، يقولون هو ليس هنا... حتى وإذا متت لا أحد يعرف. هم لا يهتمون."
وبينما كان سامي يجلس في حانة في منطقة باب توما في دمشق هذا الخريف، بدا وكأنه يعاني من نقص تغذية. نقص وزنه 15 كغ في الأربع شهور منذ أن غادر ألمانيا. وشرح أنه يريد أن يخبر قصته ليحذر اللاجئين السوريين الآخرين في أوربا مما يمكن أن يحدث لهم إن عادوا.
وبعد شهر في زنزانة السجن، أُرسِل سامي إلى الجيش، رغم أنه قد أكمل الخدمة العسكرية منذ سنوات. وخلال أيام تم إرساله إلى منطقة تحت سيطرة داعش – وهي إحدى المناطق في سوريا التي تشهد حالياً أشد القتال وحشيةً. وبسبب نقص الغذاء والعناية، فإن مَهمة هناك يمكن أن تكون بمثابة حكم بالإعدام، حسب قول سامي. "نقاتل كل اليوم وثم في الليل يعطوننا بعض الخبز والبطاطا... هذا ليس طعام حقيقي. لا فطور، لا غداء... وأحياناً لا نجد مياه للشرب." وقال أيضاً أن هذا تماماً عكس المقاتلين الروسيين، والذين يتم إعطاؤهم مؤن أفضل وإعطاء سلامتهم الأولوية.
ثلاثة أسابيع قبل لقاءنا، وثلاثة شهور بعد تجنيده في الجيش، انفجرت قنبلة لداعش بالقرب من المكان الذي كان يقاتل فيه وقتلت تقريباً كل الذين كانوا معه.
كان سامي بالكاد يستطيع أن يمشي. ويجر جزء من جسمه بصعوبة. بعد قليل، رفع رجل بنطاله ليظهر التمزقات العميقة التي تمتد على كل جسمه.
"أعرف الكثير من الأشخاص الذين كانوا في أوربا ورجعوا. هم معي الآن (في الخطوط الأمامية للمعارك)."
في ألمانيا، في سوريا، وعبر أوربا سمعنا قصص عديدة عن لاجئين شباب اختفوا وانقطع التواصل معهم بعد عودتهم إلى سوريا، واعتُبِروا أنهم في السجن. وتمكن بعضهم الالتقاء بعائلتهم قبل أن يختفوا. ولكن قصة سامي تعطي وصف أكثر شمولية عما يحدث مع بعضهم. وقال إن النساء والأبناء الوحيدين لأهلهم (وهم معفيون من الخدمة العسكرية) يمكن أن يحتجزوا لعدة أيام، ولكن بالنسبة للرجال بعمر 18 ـ 42 فسيتم تجنيدهم ويكونون تحت الشبهات.
وقال سوري آخر من حماة إن والده، وهو أكبر من السن المطلوب للجيش، قد تم احتجازه لعدة ساعات في مطار دمشق بعد عودته من السويد. وتمت مصادرة جواز سفره كي لا يستطيع مغادرة سوريا مرة أخرى. وقال ابنه إن "كل شخص غادر سوريا بطريقة غير شرعية سيتم أخذه للاستجواب السياسي، وأي أحد يقول غير هذا فهو كاذب. لقد قبضوا على ابيه لأنه لم يكن لديه ختم خروج على جواز سفره. واستجوبوه عن علاقته "بالدول المعادية"، كيف خرج من سوريا، مَن هربه، ومن كان يسيطر على شمال البلد عندما عبر خلاله. وتكمن الأب – الذي مازال تحت التحقيق – من الهروب إلى تركيا مرة أخرى. وقال ابنه "إنه لن يعود إلى سوريا أبداً"
وبالنسبة للذين يعبرون الحدود التركية عبر البر ويعاودون دخول سوريا بطريقة غير شرعية، فقد تكون العواقب أسوء. وقال سامي إن بعض المهربين عبر طريق حلب متفقين مع الجيش. إذا تمّ إلقاء القبض عليك فيمكن أن تُرسل إلى الجيش مباشرةً أو أن تختفي في السجن لسنوات. والآخرون الذين يتمكنون من الوصول إلى بيوتهم، هم عالقون في بيوتهم. إن نقاط التفتيش عبر المدن والبلدات، وعناصر المخابرات المتخفون، تعني أنه من المستحيل أن تبقى مختبأ لوقت طويل.
عندما يرجع اللاجئون إلى مناطق سيطرة النظام فإنهم يقعون في نظام يتغلل الفساد فيه حيث يجب أن يدفع العساكر مبالغ طائلة من المال ليحصلوا على موقع أكثر أماناً. وقال سامي متأملاً "دون المال، لا تستطيع أن تعمل أي شيء."
"لا ترجع أبداً"
الحكومة تقول إنه هناك قنوات يمكن من خلالها تأمين عودة آمنة للأشخاص الذين غادروا.
وفي حلب التي استعاد النظام السيطرة على أغلبها السنة الماضية، شرح فادي أحمد إسماعيل، ممثل الحكومة للمصالحة، تفاصيل العملية. وقال إنه ينبغي على أي شخص قاتل ضد قوات الحكومة أو حتى تكلم ضد نطام الأسد في وسائل الإعلام أن يتواصل مع وزارة المصالحة وينشأ سلام قبل عودته. وحتى الآن، رجع 300 شخص إلى حلب من الخارج بعد أن فعلوا هذا. كلهم يجب أن يوقعوا تعهدا بأنهم لن يقوموا بأي شيء ضد الدولة في المستقبل. وإذا تكلموا مجدداً بعد ذلك، يمكن محاكمتهم في محكمة الإرهاب.
وبينما يمكن للمهاجرين النظاميين أن يدفعوا 5000$ ليتجنبوا الخدمة العسكرية بعد أن يقضوا خمس سنوات خارج البلد، يؤكد إسماعيل أن اللاجئين لا
يحق لهم ذلك. وقال أيضاً إنه حتى وإن كانوا ضد الحكومة من قبل، كل رجل مؤهل بين 18 و42 سنة يجب أن يقوم بالخدمة العسكرية عند عودته.
وداخل البلد، يمكن أن نجد أشخاصاً قد عادوا بطريقة قانونية. وفي شارع فرعي في حلب، يتنزه محمد في سيارته بحماس، والنوافذ مفتوحة، ويتأمل التغيرات في مدينته بعد أربع سنوات في دبي. وكان يفكر لعدة أشهر أنه قد حان الوقت "ليستقر" ومنذ ثلاثة أسابيع اجتمع مع عائلته وانضم للعمل في مصنع والده للأحذية.
وفي دمشق، في المباراة النهائية لكأس كرة القدم السوري في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كان هامو أحمد خلف حواجز الملعب يصرخ بحماس "جوتن تاج" – وهي تحية ألمانية - لكل شخص يبدو أنه أجنبي. الشاب ذو 25 عاماً رجع إلى سوريا منذ 20 يوماً، بعد أن قضى ثلاث سنوات يلعب مع فريق فرانكفورت لكرة القدم. وقال "إني أحب ألمانيا، ولكني اشتقت لبلدي."
وقد أصدرت شخصيات قوية من ثلاث خلفيات من المجتمع السوري رسائل متضاربة بخصوص الخمسة ملايين لاجئ الذين هربوا من البلد – مع أن الواقع في هذه المرحلة أن معظم الأشخاص لديهم قريب في الخارج.
وفي مقابلة في شهر فبراير/شباط، قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه يعتقد أن غالبية اللاجئين يمكن أنهم يريدون العودة في المستقبل. وقال لياهو نيوز "هذا بلد لكل السوريين" ولكنه أضاف أن ما سيحدث لاحقاً قد يكون خارج قراره. "ما أعتقده أنا لا يهم. المهم هو ما سيقوله القانون عن كل شخص قام بأي عمل ضد البلد."
وتسبب الجنرال العسكري البارز عصام زهرالدين، قبل وفاته بشهر بانفجار لغم في أكتوبر/ تشرين الأول، بضجة كبيرة عندما قال إن اللاجئين لن يرجعوا إذا كانوا "يعلمون ما هو في صالحهم."
وقال للإعلام الحكومي السوري "إلى هؤلاء الأشخاص الذين هربوا من سوريا إلى بلد آخر، أرجوك لا تعود، لأن إذا الدولة سامحتك، نحن عهداً لن ننسى ولن نسامح."
وأكد لنا مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، وهو قائد ديني قوي مقرب من الحكومة، متحدثاً في منزله في دمشق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني "الأبواب مفتوحة للجميع." ولكنه أنكر أن عدد اللاجئين في أوربا هو كبير كما تم تسجيله وقال إنهم فروا فقط بسبب الاعتداءات من قبل جماعات المعارضة السورية، وليس لأي شيء فعلته الحكومة. ويرفض حسون أن يصدق التقارير التي تفيد أن "226000 لاجئ ذهبوا إلى أوربا في 2016. فقط 22 عائلة سورية. البقية يحملون جوازات سفر مزورة."
ورفض وزير الخارجية السوري طلبنا لمقابلته
وقال سكوت جيلمور وهو محامي في مركز العدالة والمحاسبة وحالياً يحقق في جرائم الحرب التي تحدث في سوريا "كل نظام الاعتقالات الجماعية والتعذيب مازال مستمراً. يتم توقيف الناس بشكل روتيني عند نقاط التفتيش واختطافهم... ما يزال هناك بعض أشكال العنف السياسي ولكن معظم (الهجمات) هي جرائم شائعة."
وبالنسبة لسامي، فإن هذه التحذيرات جاءت متأخرة جداً. وبعد أيام من مقابلتنا، تم استدعاؤه للقتال في الصفوف الأمامية. في ذلك اليوم، سُمِعت في جميع أنحاء دمشق أصداء القصف العنيف على ضاحية جوبر التي تسيطر عليها المعارضة. إن قصة سامي التي رويت بصوت خافت في شارع مفتوح، بحيث يمكننا مراقبة ما إذا كان أحدهم يسترق السمع، أكدها الواقع المؤلم أنه لا يعرف ما إذا كان سينجو حتى نهاية الصراع. كان يلعن نفسه بسبب عودته إلى ما وصفه بأنه "آخر حرب" – أكثر مرحلة خطراً في القتال حيث تحاول الحكومة استعادة بقية المناطق التي ماتزال خارج سيطرتها.
وألح بقوة "أقول لكم لا تصدقوا أحد ولا ترجعوا. يجب أن تنتظروا وقت أطول."